كيف نعاقب الطفل...

هذا الكائن العجيب اللين الطيع الطفل ...
كيف نتعامل معه؟
كيف نحتضنه ؟
وبالتالي لماذا نربي هذا الطفل ؟
أليس ليصبح إنسانا عاقلا قوي الشخصية ليتحمل حمل مشعل الاستمرارية أمامنا و بعدنا بمسؤولية ووطنية صرفة ؟ ....
أليس هو من سيتحمل قيادة بلاده رجلا ؟
الطفل إنسان لم يكتمل نموه بعد ؛ والإنسان بطبعه خطاء ،فكيف نتعامل مع هذا الكائن العجيب خصوصا عند وقوعه في الخطإ ؟
أو بلغة العقاب :
كيف نعاقب الطفل ؟
العقاب أنواع متباينة من حيث الشكل ؛ وينقسم حسب ما أرى إلى :
أولا :
عقاب جسمي جسدي بدني عند الخطإ:
وذلك بأنواع كثيرة ومتباينة ومتنوعة حسب ما مررت به خلال فترات حياتي الدراسية..

وهذا العقاب أراه شكلا ومضمونا تهديما لبناء الشخصية وتقويضا لنفسية المربى وإيقافا لديناميكية المتعلم وحركاته التي قد تكون سببا في عقابه .


يتبع

نتابع

ويعتمد هذا النوع من العقاب على الضرب بجميع أنواعه سواء على اليدين أو الرجلين أو الصفع أو على رؤوس الأصابع{ البنان} أو الركل أو تحريك المسطرة بين أصابع يدالطفل أو ما شابهها من الأنواع التي تترك في نفسيته ترسباتها التي تكبر حسب قوتها لتحرك في هذا المتعلم شعوره بنقص أمام زملائه الذين يلازمونه في بعض المراحل من يومه خلال اللعب مثلا ...
ومما يرسم على سلوكه قانون العدوانية والانتقام الذي قد يظهر في أوانه من خلال ردود أفعاله ـ خصوصا إذا كان التأثير بسيطا أو يظهر بعد مرور الأيام حسب تزايد تصاعد قوة التأثير في نفسه .
ولهذه المعطيات فإن هذا النوع من العقاب إنسانيا وأخلاقيا وتربويا لا أعتبره تصرفا تربويا بقدرما أعده تجاوزا واعتداء على بريء لم يذنب مهما كان خطؤه ؛ ذلك أن هذا النوع من الأخطاء عند الإنسان ؛ أي الخطأعند الطفل أعده النبراس والنبض الحقيقي لقدراته الفكرية والحركية ...
إن العقاب لايؤدي بالطفل إلى إبراز ما نطمح إليه بقدرما نحوله إلى هادئ الطبع ضئيل الحركة ضئيل العطاء قوي الاحتجاج ذي نفسية عليلة وشخصية مهتزة ومهترئة



- ثانيا: عقاب كلامي لاذع:
وقد يتخذه المربي سبيلا عند وقوع الطفل في خطإ ما؛ ورغم أن بعض المربين يصنفون هذا النوع في المرتبة الثانية بعد العقاب الجسمي ؛ فأنا أذكر هناأن هذا النوع من العقاب أشد حدة وأبلغ تأثيرا وأكثر تقويضا لنفسية المربى منه عند الضرب.
فعندما يقع الطفل في خطإ –أقول :يقع الطفل في خطإ وأرفض في المقابل قولهم :
أخطأ الطفل...
سواء في الجواب عن سؤال أو عند طرح السؤال أو عند قيامه بحركة طفولية بريئة مهما بلغت حدتها.
ذلك أن الطفل وإن أخطأ فإنه قد بدل جهدا جهيدا في التفكير فا ستثمر جهده وذكاءه في فعلته التي حكمنا عليه من خلالها بالخطإ.
شأنه في ذلك شأن أول مركبة فضائية والتي استثمر خبراء علمائها خطأهم بعد تماس بعض الأسلاك الكهربائية ليعودوا بفكرة صائبة مبنية على التجربة العلمية الحقة بعد البحث عن إصلاح الخطإ الذي وقعوا فيه من قبل دون مراعاة تمدد الأجسام عند شدة الحرارة :
من الخطإ يتعلم الناس ...
ولأجله ومثيله من المعاملات بين الناس وتقويم الذات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
كلكم خطاؤون وخير الخطائين الثوابون .
لهذا وذاك أقول :
يقع الطفل في الخطإ وأرفض قولهم له { أخطأت }

يتبع

نتابع

فأخطأت هذه عندما نوجهها مستقيمة للطفل نبعث معها فأسا نابشة ناهشة مهدمة ومشلة حركاته لتفعل فيه فعلة المرض المعدي الخطير والمزمن عندما يصيب الإنسان فيتمكن منه وإن كان قويا ويهده ويستنزف دمه ويبقى متوجعا متألما من غير صوت ؛ ولا أقول هذا مجازفة ولا غلوا ولا رغبة في الكتابة ؛ فما أكتبه هو نتاج لمعاملات عايشتها منذ صباي وظهرت بنور الصباح خصوصا عندما استرسلت في مزاولة عملي مع أصناف من الأطفال الذين عايشتهم والذين تختلف تركيباتهم الاجتماعية بفوارقها وأجريت معهم ـ { أقول معهم ولا أقول عليهم لأن عملنا كان قاعديا ينطلق منه وإليه } ـ عدة محاولات أتت أكلها مفجرة ما يقبله الطفل وما يرفضه ... ذلك أن الطفل يرفض ببراءة كما يقبل كذلك ببراءة ؛ وبراءته هنا عفوية ناتجة عن مدى إدراكه العفوي الذي لا يستطيع في صغر سنه وفي هذا العمر التعبير عنه نظرا لتركيباته ونموه الإدراكي فيبقى مخزونا في ذاكرته ليعيد في تصوره بعد خروجه من مرحلة المراهقة مفصلا بتأويله التأويل الصريح ... وفي هذا الشأن ؛ بل لهذه الغاية :
أهيب بالآباء أن يعطوا لأبنائهم نبراس الطفولة المتزنة العاملة على تركيز أعمالها ؛ وذلك بخلق ملف مصاحب للطفل منذ الحمل يسجل فيه الآباء كل ما يتعلق بالطفل بدء بالفحوصات الطبية التي تجريها الأم إلى بعض الهزات التي تتعرض لها وكذا نوع المعاملة وذلك يجب أن يتم في صدق خصوصا ما يتعلق بالأم والأب عند فترات القلق مثلا......


إلى ظروف الولادة ... إلى خروجه إلى هذا العالم ... إلى تلقيحاته ... إلى مشاهد موجزة من حياته إلى أن يصبح في المدرسة الابتدائية بعد أن عبر مرحلة رياض الأطفال ...
بعد ذلك يشرك الأبوان طفلهما في عملية تعبئة هذه التقارير بالبيانات ؛ وذلك باستفساره عن أهم ما أثار انتباهه ؛ وما تعرض له خلال يومه ؛ فيدون ذلك في حضوره ملخصا قدر الإمكان؛وعند نهاية الأسبوع ؛ يستفسرانه عما علق بذهنه من أحداث ؛ لتكون خلاصة للأسبوع الأول ؛ وهكذا إلى نهاية الشهر ليدون ويضاف إلى الملف إلى أن يصل إلى تقرير السنة الأولى ...ويستحسن أن يتم هذا التقرير يوم عيد سنوي أو مناسبة سنوية؛ تجد عند الطفل مكانة كبيرة من الاهتمام؛ ليكون كلاهما محفزا للآخر على الاستمرار؛ وهكذا فالسنة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة ....
وعندما يرى الأبوان نوعا من القدرة عند الطفل ؛يسلمانه ملفه ليعبئه بنفسه مع مراقبة الأبوين عند ضبط أعماله ليصبح الطفل منبعا للعمليات التربوية لا كما هو عليه مصبها ...
كما سبق وأسلفت ؛ فإن بعض المربين يتخذون من العقاب الجسدي والكلام اللاذع قنطرة للوصول إلى ما يريدون إيصاله للطفل ؛غافلين نوع القنطرة التي يعبرون عليها إلى نفسية هذا الكائن المطبوع بالحركة المستمرة ؛فيقعون في عكس ما يطمحون وما يهدفون إليه فيطبعون عليه طابع الحكم الجائر حين العقاب بكلامهم اللاذع من شتم كتوجيه الخطاب له مثلا في قولهم :
ماذا فعلت ياحمار ؟
أو
اصمت ياكلب ..
فيحس ـ عبر أم لم يعبر عن ذلك ـ أنهم يجردونه من إنسانيته ليصنفوه ضمن مجموعة من المجموعات الحيوانية بجميع سلالاتها ...

يتبع

نتابع

فأخطأت هذه عندما نوجهها مستقيمة للطفل نبعث معها فأسا نابشة ناهشة مهدمة ومشلة حركاته لتفعل فيه فعلة المرض المعدي الخطير والمزمن عندما يصيب الإنسان فيتمكن منه وإن كان قويا ويهده ويستنزف دمه ويبقى متوجعا متألما من غير صوت ؛ ولا أقول هذا مجازفة ولا غلوا ولا رغبة في الكتابة ؛ فما أكتبه هو نتاج لمعاملات عايشتها منذ صباي وظهرت بنور الصباح خصوصا عندما استرسلت في مزاولة عملي مع أصناف من الأطفال الذين عايشتهم والذين تختلف تركيباتهم الاجتماعية بفوارقها وأجريت معهم ـ { أقول معهم ولا أقول عليهم لأن عملنا كان قاعديا ينطلق منه وإليه } ـ عدة محاولات أتت أكلها مفجرة ما يقبله الطفل وما يرفضه ... ذلك أن الطفل يرفض ببراءة كما يقبل كذلك ببراءة ؛ وبراءته هنا عفوية ناتجة عن مدى إدراكه العفوي الذي لا يستطيع في صغر سنه وفي هذا العمر التعبير عنه نظرا لتركيباته ونموه الإدراكي فيبقى مخزونا في ذاكرته ليعيد في تصوره بعد خروجه من مرحلة المراهقة مفصلا بتأويله التأويل الصريح ... وفي هذا الشأن ؛ بل لهذه الغاية :
أهيب بالآباء أن يعطوا لأبنائهم نبراس الطفولة المتزنة العاملة على تركيز أعمالها ؛ وذلك بخلق ملف مصاحب للطفل منذ الحمل يسجل فيه الآباء كل ما يتعلق بالطفل بدء بالفحوصات الطبية التي تجريها الأم إلى بعض الهزات التي تتعرض لها وكذا نوع المعاملة وذلك يجب أن يتم في صدق خصوصا ما يتعلق بالأم والأب عند فترات القلق مثلا......


إلى ظروف الولادة ... إلى خروجه إلى هذا العالم ... إلى تلقيحاته ... إلى مشاهد موجزة من حياته إلى أن يصبح في المدرسة الابتدائية بعد أن عبر مرحلة رياض الأطفال ...
بعد ذلك يشرك الأبوان طفلهما في عملية تعبئة هذه التقارير بالبيانات ؛ وذلك باستفساره عن أهم ما أثار انتباهه ؛ وما تعرض له خلال يومه ؛ فيدون ذلك في حضوره ملخصا قدر الإمكان؛وعند نهاية الأسبوع ؛ يستفسرانه عما علق بذهنه من أحداث ؛ لتكون خلاصة للأسبوع الأول ؛ وهكذا إلى نهاية الشهر ليدون ويضاف إلى الملف إلى أن يصل إلى تقرير السنة الأولى ...ويستحسن أن يتم هذا التقرير يوم عيد سنوي أو مناسبة سنوية؛ تجد عند الطفل مكانة كبيرة من الاهتمام؛ ليكون كلاهما محفزا للآخر على الاستمرار؛ وهكذا فالسنة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة ....
وعندما يرى الأبوان نوعا من القدرة عند الطفل ؛يسلمانه ملفه ليعبئه بنفسه مع مراقبة الأبوين عند ضبط أعماله ليصبح الطفل منبعا للعمليات التربوية لا كما هو عليه مصبها ...
كما سبق وأسلفت ؛ فإن بعض المربين يتخذون من العقاب الجسدي والكلام اللاذع قنطرة للوصول إلى ما يريدون إيصاله للطفل ؛غافلين نوع القنطرة التي يعبرون عليها إلى نفسية هذا الكائن المطبوع بالحركة المستمرة ؛فيقعون في عكس ما يطمحون وما يهدفون إليه فيطبعون عليه طابع الحكم الجائر حين العقاب بكلامهم اللاذع من شتم كتوجيه الخطاب له مثلا في قولهم :
ماذا فعلت ياحمار ؟
أو
اصمت ياكلب ..
فيحس ـ عبر أم لم يعبر عن ذلك ـ أنهم يجردونه من إنسانيته ليصنفوه ضمن مجموعة من المجموعات الحيوانية بجميع سلالاتها ...

يتبع

نتابع

1- المثال الأول :
كنت أعمل بالقسم الأول وكان من بين المتعلمين تلميذ في بداية السنة يحاول جهد أيمانه مسايرة رفاقه وكان من بين الذين رسمت لهم هيكل الحركة المستمرة والنشاط الدائم . وكنت لا أرفض لهم طلبا أعاملهم بلين وحنان بليغين مما أكسبهم الصراحة التامة فلم أعد مضطرا لاستفسار آبائهم عن حالاتهم البيتية : {الظروف الاجتماعية } ذلك أن طفلي يحكي لي كل الذي يدور في البيت بأمانة{مع أنه يعلم الأشياء التي لاتقال حفاظا على بعض الأسرار العائلية }حتى النزاعات التي تنشأ بين الفينة والأخرى بين أبائهم وأمهاتهم أو بين آبائهم وبعض الجيران ,إلى درجة أنني ملكت الطفل وبدأت استسقي منه ما لم يكن في تصوري ؛ وتدريجيا حولت هذا الاهتمام عند أطفالي إلى البحث عن كل المعلومات ؛فبدأت أتلقى من طفل القسم التحضيري : الأول من التعليم الابتدائي ؛ أخبارا عن الحالة الجوية وأخرى عن الرياضة ... فأظهر له مدى رغبتي لسماعه ؛ فأسعد بذلك وأجد راحتي ونجاحي الحقيقي ؛ وهكذا ؛ غير أن ذلك الطفل الذي أذكره هنا بدأت عطاءاته تقل ونتائجه تتضاءل يوما عن يوم ...
تعجبت من هذا التقهقر الفجائي وبحكم العلاقة بيننا تحولت من معلم للصبيان إلى رجل أمن باحثا عب أسباب الجريمة ما دامت هناك شكاية صامتة .
بدأت تحرياتي بعد أن فتحت ملفه ثم استرسلت أسجل كل ملاحظاتي ...
استدعيته للمرة الأولى في فترة الاستراحة لأطرح عليه الأسئلة التالية :
- لم تنقل إلي أي خبر خلال هذا الأسبوع ... ما السبب ؟
- ضحك ضحكة خفيفة في ابتسامة شبه حزينة معبرة عنى حزن دفين أو ما لم أستطع تحديده ...ضحك هذه الضحكة وأطرق برأسه .
- أنت تلميذ مجتهد ومجد : { أقول – مجتهد ومجد – ولو كان التلميذ دون مستوى أصدقائه حتى لا تظهر لهم وبينهم تلك الفروق ؛ وهذا موضوع آخر }
- أتعرف ما معنى مجد ومجتهد ؟ ... إن التلميذ المجتهد هو ذلك الذي يشبه النحلة : لا يهدأ من العمل الجاد والبحث والسماع للأخبار ...فماذا تحمل من أخبار ؟

يتبع

نتابع

• النتيجة :
بدأ يبكي ؛ أحسست بأن الأمر يتعلق بما يحمل من جدة الأخبار..طرحت عدة احتمالات ؛ من بينها ؛ علاقته بالعائلة أو بأصدقائه ...
وقصد الإيجاز ونظرا للعلاقة التي تربطني به والحرية المطلقة التي أمنحهم إياها دون حدود ؛ أدركت أنني قد أصل إلى الأسباب التي أثرت على طفلي ...
طرحت عليه السؤال التالي :
ما بك ؟
لماذا لا تتكلم ؟
لماذا لا تحكي لي كعادتك من قبل ؟
أراد أن يتكلم ؛ لكن سرعان ما أحجم ؛ بعدها قال : لاشيء .
معى إطلالة عبراته علي من عينيه ...
عندها أحسست أن مانعا يحول دونه والكلام ؛ فمازحته إلى أن جفت دموعه وتحولت إلى ابتسامة صافية هادئة ؛ فهدأ روعه ؛ حينها قلت له :
اخرج للاستراحة واغلق الباب أريد أن أستريح قليلا .
خرج منفذا ما طلبته منه ؛ حينها قمت إلى النافذة لأراقب حركاته وتجاوبهى مع رفاقه وقد اجتمعوا حوله يحدثونه ويحدثهم ؛ دون أن أسمع شيئا ...
سجلت أسماءهم كلهم ح بعد ذلك بدأت أستدرجهم من خلال الحوار فرادى لكن دون جدوى ؛ ذلك أنهم لا يعرفون شيئا يمكنني من الوصول إلى مسك خيوط الأسباب المؤدية إلى تخلفه بهذه الطريقة الفجائية .
استدعيته إلى بيتي وبدأت أمازحه وهو يضحك ويساعدني في ترتيب بعض الأغراض التي بعثرتها من قبل وكذا تنظيف بعض الأواني إلى أن بدت عليه سعادة كبيرةوارتياح تام
{فتحت هنا هذه النافذة لأقول لكل مرب : إن الطفل يدخل في سعادة لا مثيل لها إذا كلفه مربيه بعمل ما ؛ في إطار مساعدته ؛وهذه يمكن استغلالها للتقريب بين المربي والطفل ... أي عمل ... فهو يجد كنس بيت الوالدين عملا شاقا بينما يتسابق بكل رغبة صادقة لكنس بيت مربيه أو شراء أو قضاء حاجة من حاجات معلمه أو مربيه على العموم إلا أنني لا أنصح باستغلال هذا الحب لإكراهه على الأشغال فيتحول إلى عكس ما يطمح إليه فيكرهه ويكره مادته والمدرسة والأصدقاء ؛ عليه أن يسخره لقضاء حاجات قد لا تكون ضرورية لتقريبه منه ليس إلا }

يتبع

نتابع

وفي تسلسل حديثي معه أعدت عليه طرح نفس السؤال :ما هي أهم الأحداث الجديدة التي تحمل إلي اليوم ؟ ...


تغيرت ملامح وجهه ؛ وظهرت عليه بعض الاضطرابات الحركية ؛ وبدأ يدير رأسه يمنة ويسرة ؛ ثم قال :
( لاشيء )
ـ قلت :
كيف ؟ ... أسبوع بكامله ؛ ولا تحمل أي خبر ؟ هذا لا يمكن ...
أطرق برأسه ح وبدأ بمحاولة للخلاص من سؤالي ؛ غير أني حولت السؤال إلى الطريقة التالية :
أنت تعرف أن معلمكم ـ صديق كبير ـ ألعب معكم ... أعلمكم ... لا أضربكم ... تنقلون إلي ما تسمعونه من أخبار ... أعلمكم الكتابة والحساب و ........ مقابل ما تحملونه إلي من جديد وقد كنت نشيطا ؛ فما بك هذه المرة تخفي علي ما يقلقك ؟
أنا صديقك قل لي كل شيء ... اطمئن لن أحدث أحدا بما ستقوله لي ...
بدأ يبكي لكن هذه المرة يختلف بكاؤه عنه في الأولى حيث كان يبكي مديرا رأسه ملتفتا خلفه .
هذه المرة يبكي ولكن مع نوع من الاطمئنان : ـ اطمئنان نسبي ـ ممزوج باضطراب في حركات عينيه ...
فقلت له :
أنت رجل والرجل لايبكي ... قل لي ؛ ما بك ؟
هنا انفجر باكيا وتضاعفت دموعه ... طلبت منه أن يجلس إلى جانبي ؛ ففعل ... أخذت الفوطة ومسحت دموعه مداعبا إلى أن وضعت يدي على صدره لأجس نبضه فإذا بدقاته مرتفعة ...
ـ قلت :
إذن ؛ قل لي ؛ مابك ؟... لا تخف ... إننا لوحدنا ؛ لن يسمعنا أحد ...
حينها تزايدت دقات قلبه واضطربت ؛ فقال لي :
إني خائف ...
ـ قلت في نفسي :
لعلي أصل بغيتي ...
ـ فسألته :
ما الذي يخيفك ؟
ـ قال :
( فلان ) جارنا ؛يأخذ كل ما يجده عندي في محفظتي وإذا رفضت إعطاءه المحفظة ليبحث ما بها ضربني وهددني بأن يقتلني إذا شكوته لك أو لوالدي ...

يتبع

نتابع

ومع حديثه بدأ قلبه يدق تصاعديا ـ ودقات مخيفة ـ ...
قمت حينها ووضعت الماء في إناء على موقد الغاز ؛ ثم رجعت إليه بعد أن فكرت في طريقة التعامل معه نظرا لما يعانيه من خوف خصوصا وان خصمه من بين أطفالي : فهو إذن صديقه في القسم وجاره في البيت وعدوه بين المدرسة والبيت .
ـ قلت :
والآن ... هل لازلت خائفا منه ؟
ـ قال :
نعم ... إنه أكبر مني ...
ـ قلت ك
لاتخف ... سيصبح من أعز أصدقائك ...
ـ قال :
إني أكرهه ... لاأريد أن يكون صديقي ...
ـ قلت :
وإذا بدأ يعاملك معاملة حسنة ؛ فهل تتخذه صديقا ؟
ـ قال بعد ابتسامة دفينة في ملامح وجهه :
نعم .
حينها قمت إلى الماء وطلبت منه أن يغسل وجهه ففعل ؛ ثم مسحه .
قلت له :
إذا التقيت به فأبلغه أني أوزع قصصا على التلاميذ وأن عليه أن يأتي عندي ليأخذ واحدة ؛ثم أعطيته قصة فانطلق والفرحة المزدوجة بادية عليه ...
ما هي إلا دقائق معدودات حتى جاء المعتدي طارقا بابي ...تأنيت قليلا ثم خرجت إليه بعد أن فتحت الباب ...
ـ قلت له :
ماذا تريد ؟
ـ وبلهفة رد :
( فلان ) أخبرني أنك توزع القصص على التلاميذ ؛ فجئت لآخذ واحدة ...
ـ قلت له :
من هم أصدقاؤك الذين تلعب معهم ؟
فبدأ يذكر غير أنه لم يذكر خصمه ؛
ـ فسألته :
و ( فلان ) ؟
ـ أجاب :
لا ألعب معه .
ـ قلت :
لماذا ؟
فصمت ... أعدت السؤال ؛ فأعاد الصمت .
ـ قلت :
أين تسكن ؟
ـ قال :
هنا ... قريبا من المدرسة .
ـ قلت :
و ( فلان ) ؟
ـ إنه ابن جارنا ...

يتبع