أكبر جدار

بإحدى البلدات النائية ،
اجتمع أهل القرية ،
يريدون البناء ،
بناء أكبر جدار يحمي مصالح البلدة وأهلها من عائدات وعاديات الزمان .

تناول الكلمة الصغار والكبار ومن كل الأعمار وكلا الجنسين
بدون استثناء

وهكذا شرع شبان البلدة يدلون بآرائهم جادين في التفكير عن أجدى وسيلة لهذا البنيان :
لبناء أكبر جدار يرمي خلفه الطغيان والسطو والنسيان
الشيوخ يعطون آراءهم ويسدون مواعظهم بناء على تجاربهم في الحياة وما عبروه في هذه الحياة التي سبقوا إلى مركبتها بنفس الفرحة وأخرى رافضين أو معارضين في تبصر ووقار بحكمة وإرشاد

نطق سعيد : الشاب القوي ذو السواعد المستعدة للحفر والبناء دون كلل أو ملل :
*نحفر أسا ونبني جدارا منيعا بالحجارة التي نشدها بأحزمة وسوار من قضبان حديد وخليط رمل وحصي وإسمنت فنضع له بابا بل أبوابا من حديد تفتح وتوصد عند الحاجة ...

رد عبد الحكيم ، الشيخ الذي أضفى الشيب عليه وقارا :
** أنا فخور بك وبأمثالك قبل و عند وبعد الإنجاز
سأكون فخورا بك وبأمثالك عند وصولك ما أبغيه منكم جميعا يا من تمثلون استمرارية أسلافكم ...

صاح عادل باسما وفي فكره صلب الكلام :
*وجدتها يا عم ؛
لعل ما تقصدونه بأكبر جدار
أن نحفر خندقا يحيط بالقرية ونضع له ممرات نتحكم في بسطها وسحبها من الداخل عند الحاجة

نطق الشيخ محمد :
** ستكون فرحتك أكبر عند وصولك ماء الخندق ...

تدخل فريد :
* إن هذه القرية كلها متاعب وأحزان كلها وحدة وعزلة وانعزال عن العالم الخارجي ...
لا طرق تذكر
لانقل منظم
لاحاجة لي ولكم بها
رأيي ألا تبذروا أموالكم وجهودكم في بلدة لا تلد إلا احتياجا وبحثا غير منقطع عن لقمة العيش الشحيحة في عسر وشقاء
رأيي أن تتركوا هذه البلدة الخاوية على ندرة بيوتها وتنتشروا في الأرض عسى أن توفروا لأنفسكم قوتا أفضل ومعيشة أجود
هذا فقط هو أكبر جدار
ابنوه في أي بلد

استشاط الكل غضبا عم الصمت الرهيب لحظة كسره وقوف الشيخ فاضل والغضب يخفيه نسيم هواء البلدة
نظر إلى فريد في استغراب وعيناه تموجان بدمع راشح فقال :
** أنت لست من أبناء البلدة لست رضيع التربة التي رعت صباك لست باب القرية ولا جدارها يائس بائس أنت خائن
تهجر أمك
ترميها بالعقم وهي ولود تريد دفنها حية
لقد وأدت حبك في صباه
ألم تقرأ قوله تعالى
° وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت

لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير

لقد هدمت يا هذا بفأسك في حينك بعضا من الآمال فقوضت عمري
وما عمري على وجي فأسك صابر