حاورتها ولما حاولت الانتصار عليها هزمتني

حينما نتحدث عن الطفل فإننا نتحدث عن عالم غريب عجيب ، مليء بالحيوية ، مليء بالنشاط ، مليء بالبراءة مليء بتطور مواهبه تلقائيا بواسطة تفعيل قدراته الذاتية وإشراكه في إنماء وتطوير معارفه وتعلماته ودفعه لاستكشاف ما حوله
حينما نتحدث عن الطفل فإننا نتحدث عن عالم غريب عجيب، يمتلك قدرات هائلة للدفاع عن نفسه بنفسه ويتحكم في قدراته بطريقة تجعل الدارس يقف عاجزا عن فهم أعماق ما يتوصل إليه - الطفل - بذكاء ه الخارق للعادة
حينما نتحدث عن الطفل فإننا نتحدث عن عالم غريب عجيب فما على الراشد إلا فهم ما يريده - هذا الكائن اللين - ومنه يستطيع الإبحار إلى عالمه الغريب لاستكشاف ما يطمح إليه قصد تطويره وصياغته من جديد وإعادته إليه كنموذج من التربية التي تخدم طموحات المجتمع بكامله
حينما نتحدث عن الطفل فإننا نتحدث عن عالم غريب عجيب بقدراته الطفولية البريئة بقبوله لما يرغب فيه ورفضه لما يرغب عنه
وهذه تجربة مع طفلة في السنة الثالثة وخمسة شهور حاورتها بطريقة اختارتها هي فلما حاولت الانتصار عليها بطريقة اخترتها أنا هزمتني


- كنت أحمل بين ذراعي طفلة - (الطفلة هي بنت أختي ) -
- كانت رغبتها أن أصاحبها معي في جولة في مدينة مكناس
- لبيت رغبتها وانطلقنا نتجول ؛ تسألني ، فأجيبها ...
- كانت أسئلتها محرجة في بعض الأحيان
- ونحن كذلك نتجول وعلى مقربة من مدار بباب بوعماير ؛ سألتني :
- لماذا تتوقف السيارات وتنطلق أخرى ؟
- أجبتها ، بعد إشارة مني على أضواء المرور :
عندما يشتعل الضوء الأحمر تتوقف السيارات ليمر الراجلون مثلنا ؛
فعبرت بها إلى الطوار الآخر وأنا أشرح لها مهمة الأضواء في تنظيم حركة المرور بأسلوب ممزوج ببعض المستملحات
- كانت حينها تستمع وتضحك
- عندما فرغت من الكلام ، سألتني :
لماذا تحكي لي ؟
- قلت :
لأنك سألتني .
- قالت :
ولماذا سألتك ؟
( بدأت تضحك )
- قلت :
لأنك تريدين المعرفة مني
- قالت وهي تضحك :
ومن أنت ؟
- قلت :
أنا خالك
- سألتني بضحكة وتحريك لرأسها وإطلالة على وجهي :
ولماذا أنت خالي ؟
- قلت مبتسما :
لأنني أخ لأمك ؟
- قالت :
ومن هي أمي ؟
- قلت :
فلانة
- قالت :
ولماذا فلانة أمي ؟
- قلت :
لأنها هي التي ولدتك
- قالت وقد علت ضحكتها :
ولماذا ولدتني ؟
- أجبت :
تشربين الماء والحليب وتأكلين الخبز
سألتني :
وماذا آخر ؟
أجبتها محاولا قلب نظام الحوار بيننا :
ولأشتري لك لعبة
غيبت ابتسامتها ونظرت إلي نظرة عابسة فتغيرت ملامحها من البشوشة إلى القلقة :
لا ؛ ماما هي التي ستشتري لي دمية كبيرة جدا مثل دميتي كاتي .
- سألتها مبتسما :
ولماذا لا تريدين أن أشتري لك دمية
- ردت :
لأن ماما هي التي تشتري لي الملابس والحلوى
- سألتها :
ولماذا تشتري لك أمك الملابس ؟
- ردت :
لألبسها
- قلت :
ولماذا تلبسين الملابس ؟
- ردت :
لكي لا أبقى عارية
- سألتها :
ولماذا ؟
- أجابت :
لكي لا أصاب بمرض
- سألتها :
ولماذا تخافين من المرض ؟
- قالت :
لأنه يقتل
- سألتها :
ولماذا يقتل ؟
- قالت :
لقد أوجعت لي رأسي
- سألتها :
ولماذا أوجعت رأسك؟
- بدأت علامات الغضب تبدو عليها ووضعت كفيها على أذنيها وقالت:
لا أسمعك
- سألتها :
ولماذا لا تسمعينني ؟
- ردت :
لقد أثقلت علي
- سألتها :
ولماذا أثقلت عليك ؟
هنا انفجرت باكية وبدأت تجر شعر رأسي تارة وتضربني أخرى وهي تردد :
ابتعد عني ...
توقفت عن طرح الأسئلة وبدأت أهدئها وأنا أقول :
غلبتك ... غلبتك ... غلبتك ...
زاد بكاؤها ؛ فقلت :
أنت غلبتني

الأخت محبة الخير


السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أختنا الكريمة

أشكرك على هذا الرد المتميز الذي أضاف للموضوع إضافة متميزة

حياك الله وبارك فيك

ننتظر المزيد من مشاركاتك القيمة

أدليت يدي إلى جيبي فأخرجت منه دمية صغيرة عبارة عن عروس على جمل ؛ أخذتها مني بعد أن رسمت على ثغرها ابتسامة وتابعنا جولتنا مستمعة تارة وضاحكة أخرى أو سائلة إلى أن عدنا إلى الدار .
ما إن دخلنا الدار حتى توجهت إلى أمها تشكو باكية فبدأت أضحك وضحكت أمها لأنها تعلم يقينا أن في الأمر شيء يدعو إلى الضحك وفي الحقيقة هذا لا يدعو إلى الضحك قدرما يدعو إلى التأمل في الطفل وردود أفعاله ومحاولة الوقوف على خلاصة كل تصرف وكل سلوك منه وذلك للوصول إلى نفسيته الحقيقية قصد إبراز تربية دفينة في براءة طفولته الأولى والتي تذيبها وجهات نظرنا في تربيتنا له غير المستوردة
فإذا قلنا مثلا :
الطفل بريء
معنى ذلك أنه قد ازدادت مع زيادته إلى الحياة براءة ؛ والبراءة هي السلوك هي التعامل هي كل ما يطيب من الصفات هي التربية
ولنرجع هنا إلى الحدث آنف الذكر - بيني وبين الطفلة – فأول الأمر عندما كانت تسأل وأنا أجيب ظهرت عليها علامات الفرحة كإنجاز نابع من تفكير ذاتي وأن مصدره المتطور كذلك ذاتي خصوصا عند كل جواب تتلقاه مني .
وعندما حولتها إلى متلقية بتحويلي لمسار الحوار : أسأل وهي تجيب بدأت نفسيتها تتعب مع تسلسل الحوار فعبرت عن تضايقها هذا بطريقة تناسب صغر سنها في الأول بالتصريح أن هذه الأسئلة أوجعت رأسها فيما عبرت في المرة الموالية بوضع كفيها على أذنيها رافضة الاستماع لأسئلتي ، أما في الثالثة فقد استطاعت التعبير السليم حين قالت :
لقد أثقلت علي
هذا عند وصولها مرحلة الرفض التام لما يقدم لها من حوار غير منبثق من رغبتها ويعاكس توجهها والتي جاءت بمثابة جواب مسكت وصريح ، لأن الطفلة ببكائها هذا ومما يستنتج منه أنها تقول لي :
اتركني أسأل لتجيب أنت فأنا التي أريد أن أتعلم الحياة ، علي أن أتعلمها بجماليتها كان التعبير ببكائها وكأنما تقول :
اتركني أبحث عن ماهية الأشياء وكن أنت المراقب والمتدخل عند الحجة لتدخلك بناء عما تستنتجه من المسارات التي أرسمها برغبتي
لقد أبرزت الطفلة شخصيتها القوية وفرضت علي عن غير رغبتي وبقوة أن أسايرها فيما تريده هي لا فيما أريده أنا .
هي تريد أن تسأل ، وإذا سألت فهي تريد الجواب أما إذا سئلت فوق حاجتها ترفض الجواب
فعلى ماذا يدل هذا ؟
إن للطفل تربية وليست له طرق واضحة لتوظيفها وإبرازها وهذا دور المربين :
على المربين البحث عن أيسر الطرق وأقرب السبل وأنجحها للوصول إلى إكساب الطفل طرقا لإبراز تلك التربية الدفينة في براءة سلوكه المتجدد باستمرار حتى الوصول إلى والحصول على طريقة منبعية .
فماء المنبع أكثر صفاء منه في مجراه ؛ والطفل منبع صاف علينا أن نخلق منه المبدع بخلق طرق نكون من خلالها التلميذ المصحِّح وهو الأستاذ المصحَّح لتكبر وتتقوى عنده ملكة الملاحظة الدقيقة وحب التطلع والاكتشاف

كان الحوار مع من أعتبرها جزء لا يتجزأ مني من أحيي من خلالها كل أطفال العالم العربي والإسلامي.
الطفلة آنذاك :
*****
خولة
*****
بمكناس في : 15-08-1988م